العشر الأوائل في رمضان أيام رحمة، والله حين يصطفي صفة ما لزمن ما فإنه يعلم العباد أن يتخلقوا بها في هذا الزمن بأكثر مما يفعلون في غيره، فالرحمة في رمضان رحمة..وزيادة، فقد اختار الله سبحانه لنفسه اسم الرحمن واسم الرحيم في مفتتح القرآن، وأراد أن تكون البسملة التي يبدأ بها المسلم كل أمره تذكرة برحمة مضاعفة.
وقد نزل الله في الفرقان/ الميزان أن رحمته وسعت كل شيء، وأنه سيكتبها للذين لا يريدون علواً، بل الراحمون الذين يترفقون بالخلائق كلها..وليس بالبشر فحسب، فكان ثواب من رحم الحيوان الجنة، وعقوبة من حبسه.. النار.
هذه الرحمة هي فيض العشر الأوائل من رمضان، وهي ليست رحمة الخلق الفردي فحسب بل هي أدب الأمة أيضاً.
فرمضان ليس شهر عبادة من أجل الخلاص الفردي يقيس المؤمن فيها نصيبه من الجنة بالشبر والذراع، بل هو شهر من شهور الأمة كي..تتراحم، لا بصدقة خفية أو أموال زكية، بل بتحول خلقي شامل كامل تتربي عليه الأمة في تلك الأيام، كما تتربي علي كظم الغيظ وترك الجدل في الحج، لا لتخرج من تلك الأزمنة لغيرها وقد تخلت عن ذاك الخلق.. بل لتستصحبه معها في بقية الأزمنة والأمكنة فترتقي عبادة بعد عبادة وعاماً بعد عام.
والحق أن فهم منهج القرآن يدلنا علي أن مقاصد الشرع نابضة في كل ما فرض الله أو ندب من أفعال وأقوال..وأحوال، لذا فإن «الرحمة وزيادة» التي نتعلمها من رمضان لا تقف عند حدود البر بين الناس علي مستوي تكافلي، بل ينبغي أن تمتد إلي السلوك الاجتماعي الأوسع بل والاقتصادي والسياسي الأشمل..فتعيد تلك الأيام -من أيام الله -تشكيل بنية علاقات القوة وتنقل العلاقات من التناحر المذموم للتدافع، ومن التدافع للتعارف، ومن التعارف للتراحم.
والحق أن الرحمة باب واسع يحتاج تفصيل، لكن حدودها ليست مائدة للرحمن تقام ولا بعضاً من الزاد يجاد به، بل هي في قلب القلب من تربية المؤمن وتهذيب الجماعة.
ففي التصور الإسلامي الرحمة مساحة رحبة من المناطق العازلة الاجتماعية التي تضمن إنسانية المجتمع، وتتيح الستر وتحض علي التوبة ودرء الحد. فالتسامح الاجتماعي وتقديم التنازل والعفو المتبادل هو منطق الشريعة التي تعلو بالإنسان، ومن هنا مقولة الرحمة فوق العدل، والأصل فيها أن العدل فوق نص القانون، ومنطق المجتمع -حال التعارض-فوق منطق الدولة، بدون أن يعني هذا استهانة بسيادة القانون.. لكن كما قيل: يجد للناس من الأقضية بقدر ما يحدثون من الفساد...أو بقدر ما ينتقصون من معايير الأخلاق.
رمضان موسم من مواسم التربية واستعادة النبوية.
وهناك أيضاً جانب مهم للرحمة في السنة النبوية، وهو التسامح في المعاملات، ففي المعاملات التجارية نص الحديث علي السماحة في البيع والشراء تقديمًا للعلاقة الإنسانية علي قيم السوق الشرسة، وتهذيبًا لنفس المؤمن من التكالب علي درهم أو دينار يزيد في الربح فيدوس من أجله في تنافس شرس علي قيم الأخوة، ودعا ألا يبيع بعضنا علي بيع بعض،أو يخطب علي خطبة أخيه، ورحم الله عبدًا سمحًا إذا باع سمحًا إذا اشتري سمحًا إذا اقتضي، كما أن هناك حضًا واضحًا علي العفو عن الدّيْن وعلي الصدقة الخفية، وكلها تجليات رحمة القلوب، وفي رمضان تتجلي بشكل واضح وجلي كي نراها إذا كنا قد غفلنا.
فالرحمة ليست خلقاً إسلاميًا فحسب، بل أداة للإدارة الاجتماعية، ونهج يدخل في السلوك اليومي للمسلم في بيته وفي متجره وفي الطريق وفي كل دائرة يدور فيها، قيمة نابعة منه هو لا تتوقف علي مسلك من تقع عليه الرحمة- أحسن أم أساء، فقد رحم الرسول في مكة والطائف من آذوه، ورحم في المدينة من كادوا له، ورحم فعفا في الفتح وأطلق من حاربوه، وفاضت رحمته فعذر بالجهل وتحمل غلظة صاحب الحق، وقد كان أورع الخلق وأحرصهم علي حدود الله، لكنه أراد أن تتعلم الأمة عدم التعالي بالطاعة أو الولع بالمطالبة بالحق غير منقوص حتي وإن كان ثمنه الاجتماعي فادحاً بل تتراحم عفواً وتعفو رحمة..لتسمو، بل وقد ترحم العاصي حين تورثه المعصية ذلاً وانكسارًا، كيما يسأل العبد الله العافية ولا يستكبر بالطاعة ويخفض جناحه رحمة بالخلق وجبرًا للضعف كما كان رسولنا -قدوة الأمة-يفعل، بدءاً من رحمته الفياضة.. بسؤال عن الجار المؤذي حين غاب أذاه، إلي المستوي السياسي العفو العام يوم الفتح، لا ثأر ولا تنكيل بل جبين عزيز ينحني شكرًا لله، ونفس سمحة تقبل من الغير الرجوع والتوبة، وترفع عن الحقد والحسد والغل، ورحمة يعكسها حديث: «شركم من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة».
رمضان واحة لتلك المعاني المبثوثة في كل أزمنة المسلم وأمكنته ودورانه معها حيثما كان ومع كائن من كان، حتي الأسير من الأعداء فما بالنا بالعوان من الأقرباء.
اقرأوا سنة الرسول وكيف كان خلقه..الرحمة، كانت سبيله ومنهجه، وهذه هي رسالة الشهادة علي العالمين التي تجعل الإسلام منهجاً.. لحياة طيبة ..لنحمل معنا تلك المعاني في النفس ..بعد رمضان.
هناك تعليق واحد:
wallahy klamak gameel zay el 3ada
ana mesh 3aref enta fakerny walla la2 bas ana 3bdo 3aref kont mo3takef m3ak mara f el zhra2 :D
any way klamak to7fa w kol el blog gamda w bardo el blog el tanya gameeela
rbna yebarek feek w yenfa3 el nas bel klam da :D
sus isA
إرسال تعليق